تغمر الشعب اليمني هذه الأيام خاصة جيل الثورة فرحة كبيرة وهو يحتفل بأعياد الثورة اليمنية المباركة الـ47 لثورة الـ26 من سبتمبر 1962 والـ 46 لثورة الـ 14 من أكتوبر 1963 وتزامنا مع هذه المناسبة (السياسية) تستطلع أراء عدد من المواطنين من جيل الثورة وتحكي قصة أسرة المحبشي ...
منجز تاريخي هام
وتؤكد في هذا السياق فاطمة عبده الزغير -عزلة الأعبوس مديرية حيفان بمحافظة تعزـ البالغة من العمر 85 عاما، كما هو مبين في تاريخ ميلادها 1924 بالبطاقة الشخصية التي استخرجتها مؤخرا، أن القضاء على الحكم الإمامي المتخلف والاستبدادي منجز تاريخي هام طالما حلم به اليمنيون، وأن الوضع قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن بشكل عام والأرياف بشكل خاص كان يرثى له، فلم تكن توجد مشاريع خدمية كالطرقات والمياه والهاتف ولا تعليم.
وأشارت فاطمة، التي قالت إن عمرها قد تجاوز الـ100 عام، وتتذكر أشياء كثيرة حدثت قبل ثورة 26 سبتمبر وهي في سن الشباب، إلى أن عساكر الإمام الذين كان يرسلهم للقبض على الأشخاص في الأرياف أو لتحصيل مال بيت المال أو حصة الإمام من حصاد الأرض كانوا يدخلون المنازل دون استئذان بالرغم من خلوها من الشخص المطلوب، وكأنها ملكٌ للإمام، بمعنى انتهاك حرمات الناس دون استحياء، أضف إلى ذلك رفضه الخروج من المنزل قبل أن تقام له ذبيحة وغداء وقات و.. الخ، وهو ما يعكر صفو وحياة المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة على عكس ما هو حاصل اليوم، فالجندي أو العسكري المنفذ على أي شخص لا يتجاوز حدوده، ولا يدخل المنازل إلا بعد الإذن.
قصة ضرب عسكري الإمام
وشرحت فاطمة لـ"السياسية" قصة ضربها وإحدى قريباتها أحد عساكر الإمام المرسلين إلى قريتها بالأمر على والدها ـرحمه الله- بالقول: "كان المذكور مأمور على والدي الذي كان مسافرا في عدن، فتخطى من كن متواجدات من النساء داخل المنزل ودخل دون استئذان، وهو ما أثار غضبي، فطلبت من إحدى قريباتي مساعدتي للنيل منه بالدخول إليه لطلب الخروج من المنزل، وإن رفض أوسعناه ضربا لا ينساه طوال حياته, دخلنا إليه وطلبنا منه الخروج باحترام، فرفض وحلف يمينا بأن لا يخرج إلا بعد ذبيحة وغداء وقات، حتى وإن كان والدي غير موجود، فقمنا بعدها بضربه وسحبه إلى أسفل الدار (المنزل)، ولولا تدخل قاسم الزغير الذي أرسل أحد أبنائه لإنقاذ العسكري لما تركناه حيا, بعدها ترك القرية دون الحصول على ما جاء من أجله، وفي العام التالي عاود حضوره إلى منزلنا لذات السبب، لكنه لم يتجرأ الدخول كالمرة الأولى، بالرغم أن والدي طلب منه الدخول، لكنه كان خائفا من أن يتكرر له ما حدث في العام السابق، وشكا لوالدي ما حصل له، وأنه كان خائفا من تكراره، فتفهم والدي قصته، وأعطاه ما جاء من أجله".
حرمان أعقبه فرح وسعادة
وأوضحت الزغير الظلام والتخلّف والجهل الذي كان مسيطرا على حياة اليمنيين إبان الحكم الإمامي المستبد وحرمهم من أبسط الخدمات كالتعليم الذي كان محصورا فقط على أبناء الأغنياء، ومحدود جدا، ومن الهاتف والصحة وغيرها.
وأضافت: "بعد تفجير ثورة 26سبتمبر 1962 بأيام قليلة وصلنا الخبر إلى الريف، حيث لم تكن توجد الوسائل السريعة لنقل الأخبار، وكنا معتمدين على الرسائل التي تصل بعد عدة أيام، وعند ما سمعنا خبر الثورة كنا فرحين وسعيدين بشكل لا يتصوره أحد، وها نحن اليوم نجني ونقطف ثمار الثورة، فالطرقات وصلت إلى كل مكان، والتعليم كذلك، صحيح نحن حرمنا من التعليم وجزء من السبب أهالينا حيث كانوا ينظرون لتعليم الفتاة بنظرة دونية، ولا يرون الأنسب لها سوى مساعدتهم في حرث وخدمة الأرض، وبالرغم من ذلك لم يكن التعليم حينها كما هو قائم اليوم، وإنما كان منحصرا على بعض الفتيات والشباب تعلم قراءة القرآن وشيء يسير من الكتابة لدى أحد عقال القرية (الزيادي)...
وترحمت فاطمة على الشهداء والأبطال الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الانتصار للثورة سواء الثورة الأم 26 سبتمبر 1962 أو ثورة 14 أكتوبر 1963 والـ 30 من نوفمبر 1967، وأخيرا تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في الثاني والعشرين من مايو 1990.
ولم تتجاهل أنه في تلك الفترة (قبل الثورة وبعدها بسنوات) كانت أسعار المواد الغذائية واحتياجات المواطنين رخيصة جدا، لكن نادرا أن تجد أشخاصا يمتلكون المال، وفي الوقت الراهن توفر المال لدى الكثير من الناس قابله غلاء فاحش.
تعلموا تحت الشجر
من جانبه أشار عبد الله مقبل صالح (أحد أبناء عزلة الأعبوس) ـ78 عاماـ إلى أن وضع قريته واليمن عامة قبل ثورة 26 سبتمبر لا يحسد عليه، فلا مشاريع ولا فرص عمل، بالرغم من وجود الصادرات من شمال اليمن (البن, الدخن, الدجرة و...)، وأنه أحد الرجال الذين تعلموا تحت الشجرة قراءة القرآن والكتابة على ألواح، لدى أحد الأشخاص اسمه أحمد سعيد.
يقول صالح: "منذ بداية حياتي العملية قبيل الشباب توجهت إلى عدن، وعملت هناك في إحدى الشركات الأجنبية إلى عام 1971، بعدها انتقلت للعمل في صنعاء، ومثلي الكثير من الناس ممن عملوا في عدن فترة طويلة قبيل الثورة، نظرا لتواجد الميناء ونشاط تجاري لا بأس به، في حين لم تكن توجد فرص عمل في شمال اليمن، لأسباب رأتها الإمامة مناسبة، خوفا من الإطاحة بحكمها، وأتذكر عند قيام ثورة الـ26 من سبتمبر، وأنا في عدن، شكّل عدد من الثوار الهاربين من الإمامة في عدن نادي الإتحاد اليمن، وكان على رأسهم: النعمان, الزبيري, محمد سعد القباطي، محسن اليمني. وازداد بعد ذلك نشاط القوى الوطنية وبدأت تتشكل نقابات العمال في عدن وازداد نشاطها عقب انعقاد المؤتمر العمالي في عدن واستقطاب الناس إلى صنعاء للالتحاق بالحرس الوطني للدفاع عن الثورة وتمكنوا أخيرا من التخلص من جبروت وتسلط الحكم الإمامي البغيض".
أبرز منجز عقب ثورة 26سبتمبر
وذكر صالح أن أبرز منجز تحقق لليمن عقب ثورة الـ26 سبتمبر بعام واحد فقط هو قيام ثورة 14 أكتوبر 1963 في جنوب اليمن ضد الاحتلال البريطاني الغاشم، وأنه لولا ثورة الـ26 سبتمبر لما تحقق لليمن الإنجازات الملموسة اليوم على كافة الأصعدة ولا منجز التحرر من الاستعمار البريطاني، موضحا أن لهذا الأخير سلبيات كثيرة إبان احتلاله لجنوب اليمن (عدن) منها احتكار الميناء والخدمات والشركات وعدم إتاحة الفرصة وبناء مصانع وأن التجارة كانت محتكرة في ذلك الوقت من قبل "الخواجة" فقط.
أيهما الأفضل الحكم الجمهوري أم الإمامي؟
ولفت صالح إلى أن أول زيارة له إلى صنعاء كانت عقب ثورة الـ26 سبتمبر بعام واحد بمعنى عام 1963 وأنه شاهد حينها تحولات ونشاطا لا بأس به، بالرغم من الحرب الدائرة حينها بين الملكيين والجمهوريين، ويرى أن ما شهدته اليمن في الوقت الراهن على كافة الأصعدة (التعليم, الطرقات, الصحة،...) ليس إلا ثمرة من ثمار الثورة.
وبالرغم من ذلك يتمنى صالح من حكومتنا الموقرة توفير حياة أفضل مما هي عليه اليوم للمواطن اليمني من خلال تخفيض الأسعار وتوفير فرص العمل واجتثاث الفساد وإشاعة مبدأ العدل والمساواة بين الناس، مؤكدا أن الحكم الجمهوري أفضل بكثير من الحكم الإمامي الكهنوتي وأن الحكم الجمهوري خيار لا رجعة عنه طالما كان حلما قبل 47 عاما لكل اليمنيين وتحقق لهم.
دور المرأة وأسرة المحبشي
وقد لعبت المرأة اليمنية دورا كبيرا، وشاركت أخاها الرجل في مقارعة الاستعمار والاستبداد، وساندت الثورة والنظام الجمهوري. وللمرأة اليمنية سجل حافل بالوقائع والأحداث إبان الحكم الإمامي ألجبروتي، وهناك كثير ممن ناضلن أو كن أخوات وأمهات للشهداء، وهناك ممن فقدن عائلهن الوحيد، وقطعت عليهن سُبل العيش، ذلك ما أشارت إليه رئيسة إتحاد نساء اليمن رمزية الإرياني، بقولها: أتذكر قصة لن أنساها، وهي قصة عبد الرحمن المحبشي، كان أبوه متزوجا (ثنتين) وكان هو وأخته من المرأة الأولى، وكانت أمه المسؤولة عن تربيته, وكل يوم تقول له ستكبر وستنقذنا مما نحن فيه, كانت حالتهم صعبة, يقول لها يا أماه عند ما أكبر سألتحق بالكلية الحربية، وأدافع عن هذا البلد، وأختي ستدخل المدرسة، وأنت ستكونين أم اليمن الجديد".
وأضافت الإرياني: "وللأسف الشديد مرضت أخته بـالدودة الزائدة، وكان حينها لا يوجد مستشفى، فماتت وظلت أمه تبكي، ويقول لها ـلا تبكِ إحنا سنعمل الثورة ـوكان حينها يدرس بالكلية الحربية ويعود إليها ويحكي لها كيف ستكون الثورة، وكيف سيكون المستشفى، وكيف ستكون هي كأم, وكان الأمل الوحيد لهذه الأم هو هذا الولد، لكنه أستشهد عند قيام الثورة، وهو يدافع عنها بالفعل عام 62، وبعد ذلك شد عقل الأم، وكانت كل يوم تجلس طرف القرية تسأل: قد حصلتوا عبد الرحمن، قال إنه سيرجع يأخذني وأسكن معه في صنعاء".
وأشارت إلى أن هذه العائلة كانت في قرية المحابشة بمحافظة حجة، وأن عبد الرحمن المحبشي كان يقول بأنه بعد الثورة سيكون هناك مستشفى يتعالج فيه الناس، ليس كما حدث لأخته، التي ماتت وحرمت من العلاج بسبب عدم وجود المستشفيات، وأن أم عبد الرحمن ظلت تحكي قصتها للناس حتى جننت ثم توفيت!
(السياسية) ـ غمدان الدقيمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق