الجمعة، 31 ديسمبر 2010

الرجل الذي رسم بريشته الخيرة سبيل التعليم في الاعبوس



كتب/غمدان الدقيمي:
لم يستسلم للظروف الصعبة التي عاشها اليمن في ثلاثينيات القرن الماضي. في بداية حياته تلقى تعليمه الأولي- قراءة القران، وتعلم أبجديات الكتابة-على يد المرحوم عبده راشد- احد أبناء قريته، لينتقل بعدها إلى عدن للعمل مع والده، ليصبح أحد أبرز رواد العمل الخيري والوطني ومؤسس ثاني مدرسة في منطقة الأعبوس.

الحاج محمد عبد الجبار راشد- 83 عاما- أب لأربعة أبناء وخمس بنات، وهو من مواليد قرية "المراوية" أعبوس (مديريه حيفان م/ تعز)، مؤسس مدرسة النور مراويه أعبوس في العام 1960 الموافق 1381هـ، على نفقته الخاصة وبرعاية وتشجيع من قبل والده- رحمة الله عليه، والتي تحتفل هذا العام بمرور خمسين عاما على تأسيسها، فضلا عن المساهمة في بناء صروح تعليمية أخرى في عزلته، قبل نحو نصف قرن من الزمان ولازالت شامخة حتى اليوم.
قال عنه البعض، هو شخص عظيم ورمز رائع. رسم بريشته الخيرة معالم التعليم في الأعبوس، ولا يزال خيره يشع نوراَ حتى اليوم. فقد كان الفضل له في تأسيس مدرسة النور مراوية أعبوس، التي شهدت في الثاني من ديسمبر ، المهرجان الخامس لتكريم أوائل مدارس الأعبوس، والذي تنظمه سنويا فرع جمعية الأعبوس الاجتماعية الخيرية بعدن.
وفي السياق ذاته، يقول عنه مدير تحرير صحيفة الثورة، عبدالرحمن بجاش: "هذا الرجل- أطال الله في عمره- لم يكن أحد رجال الأعمال الرواد الذين نحتوا الصخر بأيديهم، لم يكن صاحب فيليبس- فقط- بل هو الذي رسم بريشته الخيرة معالم طريق التعليم في الأعبوس, وكان في العام 1381هـ، على موعد مع النور الذي أضاء جبال وقرى وشعاب وأوديه المنطقة، مدرسة النور لا تزال تشهد، على عمق الرؤية وحسن التقدير لدى هذا الرجل القدير، الذي لم يبخل في تقديم الكثير وفي مختلف المجالات".
من جانبه، يصفه رجل الأعمال، أمين احمد قاسم، بالشخصية العظيمة والرائعة وقل أن تجد مثيلا له، وقال، "لقد مد يد العون والدعم لأبناء عزلته وللوطن عموما بسخاء، وخيره لا يزال يشع حتى اليوم، رغم أن الظروف قست عليه مؤخرا، لكنه ظل جميلا ورائعا وعلينا أن نقدره كأحد رموز الخير في منطقة الأعبوس.
التعليم "شغله الشاغل"
ليس هذا فحسب، بل إن "محمد"، وفي وقت لاحق، لم يألوا جهدا في توسيع المدرسة على نفقته الخاصة، لتستوعب الأعداد المتزايدة من التلاميذ بافتتاح صفوف ومراحل جديدة، خصوصا بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، ولم يبخل في تلك الفترة وما أعقبها في التكفل بتوفير المستلزمات المدرسية ورواتب المدرسين وكل متطلبات المدرسة، بما مكنها من مواصلة مهمتها التعليمية- هذا ما قاله شقيقه "عثمان".
ويضيف: "بدأ شقيقي "محمد" مشوار حياته العملية وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر، حيث غادر مسقط رأسه إلى عدن عام 1944، لمساعدة والدي في "دكان صغير" كان يملكه، أضافا إليه فيما بعد "طاحونا"، وأنضم إليهما لاحقا شقيقي "هزاع". وخلال فترة شبابه كان "محمد" مداوما على حضور حلقات الدرس وتلاوة القران في مساجد عدن، لسد حاجته من المعرفة، كغيره من الشباب الذي لم يحظوا بتعليم نظامي، وهو الأمر الذي دفعه للاهتمام بالتعليم.
ويواصل، فضلا عن الحس التجاري الذي تمكن من خلاله تطوير تجارة والده، ليصبح منذ ستينات القرن الماضي حتى العام 1995 وكيلا لشركة "هتياشي" اليابانية، للإلكترونيات، ظل التعليم شغله الشاغل ورأى فيه ولايزال حتى اليوم، الحل الأمثل لضمان حرية الإنسان وكرامته وأساسا لتقدم الأوطان. وقال، فيما بدأ في الأشراف على دراستنا- أشقاؤه الثلاثة- في عدن ومن ثم إرسالنا إلى القاهرة، شارك في تأسيس ودعم بناء المدارس في عزلته والتبرع لغيرها في عدن- المدرسة الأهلية بالتواهي، ومدرسة بلقيس بالشيخ عثمان وغيرهما.

مدرسة النور
رغم أن سمعه ضعيف، إلا أننا استطعنا التواصل معه بمساعده شقيقه "عثمان" وأحد أحفاده وولده "عادل". يقول عن فكره تأسيس مدرسة النور: "كانت الحاجة ملحة لوجود مدرسة في تلك الفترة، ناقشتها مع والدي، فتحمس للأمر، ما شجعني على تكليف عمي "ردمان"، يرحمة الله، للإشراف على البناء حتى أنجز".
ولاحظ أنه "قبل تأسيس مدرسة النور- مراوية، لم تكن في الأعبوس سوى مدرسة واحدة هي "الحرية" في بني علي- اعبوس، التي أنشئت في عام 1956، ليتوالى بناء المدارس في المنطقة بتمويل من نادي "الاتحاد العبسي" بعدن الذي يعود إليه، مع مبادرات المواطنين المجانية، الفضل الأكبر في النهضة التعليمية المبكرة في المنطقة.

وقال محمد: "كنت اشتري كتب القراءة والحساب من عدن وأرسلها للمدرسة في القرية"، مؤكدا سعادته الغامرة عندما كان يتابع تزايد عدد تلاميذ المدرسة عاما بعد آخر، وقال، إن ذلك الشعور لا يزال يغمره حتى اليوم. وظل محمد يقوم بتزويد المدرسة بمختلف المستلزمات التعليمية من كتب وطباشير حتى آلت في منذ العام 1968 لإشراف وزاره التربية في الجمهورية الوليدة.
يشار إلى أن "محمد" ظل يعمل في شركته الخاصة في عدن حتى العام 1971، ليتنقل معها إلى صنعاء حيث باعها في أواخر التسعينات.
++++++++++++داخـــــل إطار++++++++++++

أحد رواد العمل الاجتماعي وأبرز المتبرعين لدعم حكومة ثورة 26 سبتمبر


أكد رئيس فرع جمعية الأعبوس الاجتماعية الخيرية بعدن الدكتور عبد الوالي هزاع, أن "محمد عبد الجبار راشد" أحد رجال الخير الشهيرين في الأعبوس وقد بدأ مسيرته في عدن حيث كان يعمل مع والده، وهم أقدم من أدخلوا "وكالة هيتاشي" اليابانية في الجزيرة العربية وبها عُرفوا بين الناس أو سُموا باسمها.
ويضيف: "كان "محمد" من المبادرين الأوائل في تأسيس نادي الاتحاد العبسي في عدن الذي تأسس عام 1952 واشتهر كأنشط منظمة شعبية بين المنظمات النظيرة التي انتشرت حينها، وكان عضواً في قيادة النادي والمسئول المالي له، وعلى الدوام أؤتمن بأموال النادي وممتلكاته، حتى أن مبنى النادي الكائن في كريتر- عدن تمّ شراؤه باسمه وظلّت وثائقه باسمه حتى اليوم, مع إجراء مبايعة داخلية تؤكِّدُ ملكية النادي للمبنى وكان ذلك تعبيراً كبيراً على الثقة التي كان يحوزها بين أقطاب الأعبوس وقيادات النادي على الدوام".
وعندما بدأت حركة بناء المدارس في الأعبوس،- وهي الحركة التي سبقت كل أرياف اليمن-، كان "محمد" واعياً ومدركاً لحاجة أبناء المنطقة وللتعليم ولأهميته لحاضرهم ومستقبلهم، فساعد على تنشيط دور النادي في هذه العملية وتشجيع الأهالي على الخطوات السريعة لتوفير شروط البدء في مشاريع البناء. وفي هذا الإطار خصص النادي مبلغاً وقدره 8000 شلن ثمانية آلاف شلن لكل مشروع مدرسة شرعت لجنته التأسيسية بالعمل وكان للوالد "محمد" دور أساسي في ذلك, هكذا يقول الدكتور عبدالوالي هزاع.
ويستطرد: "إضافة إلى تبنّيه لبناء مدرسة النور, على نفقته الخاصة وممثلاً لوالده أيضاً، فقد دعم – إضافة إلى دعم النادي – أغلب مدارس الأعبوس التي تمّ تدشين بنائها في تلك المرحلة (النصف الثاني من الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي) وقدّم الكميات المطلوبة من الإسمنت والأخشاب, أو حسب ما تؤكِّدُ المعلومات أن بعض المدارس حينها استهلكت الكميات التي قُدّمت لها وطلبت كميات إضافية أخرى من المواد وكان لها مجيباً وداعماً على الدوام".
وأكد هزاه أنه عُرف عن موقعٍ أو موقعين لم تشرع فيهما اللجنة التأسيسية للمدرسة في بناء المدرسة بسبب نشوء بعض الخلافات فتبددت المواد التي قدّمها لها "محمد", وبالتالي حُرموا بسبب ذلك من أي دعمٍ جديد, "كان ذلك تعبيراً عن احترامه ودقّته في تقديم العون للمتفانيين في تحقيق المشاريع وعدم المجاملة".
وأضاف: "وكان ـ أطال الله في عمره ـ, رجلا خيّرا ومتبرّعاً للمشاريع الخدمية للمنطقة وكذلك للهمّ الوطني، حيث يعد أحد أبرز المتبرّعين لمشروع طريق الراهدة المفاليس عبر الأعبوس، وهو المشروع الذي ساهم فيه نادي الاتحاد العبسي بثمانية وأربعين ألف شلن 48000 شلن, تمّ تسليمها للمرحوم الحاج هائل سعيد أنعم، وأحد أبرز المتبرعين لدعم حكومة ثورة 26 سبتمبر 1962 الوليدة, في إطار التبرُّع الذي قدّمه النادي والمقدر بنحو خمسين ألف شلن (50000 شلن), ولعب أيضاً دوراً مباشراً في تجهيزِ ونقلِ المتطوعين للدفاع عنِ الثورة من عدن إلى تعز وصنعاء من أبناء الأعبوس وغيرهم، وعُرف عنهُ قيامه بترحيل عددٍ من السيارات المملوءة بالمتطوعين من الشباب يومياً".
وعبر هزاع عن فخره برواد العمل الخيري والتعاوني, مشبها "محمد عبد الجبار راشد" بأحد تلك القمم, داعيا إلى توثيق تاريخ التعاون والعمل الخيري والاجتماعي ورواده في منطقة الأعبوس باعتباره ملاحم عظيمة قلّ نظيرها وليكُن عبرة للأجيال الجديدة القادمة.
(السياسية)- غمدان الدقيمي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق