الجمعة، 31 ديسمبر 2010

نحو يمن خال من الفساد


أكد أكاديميون ومختصون أن الفساد أصبح مصدر القلق الرئيسي لليمنيين, ويتقدّم على عدم الأمن والفقر, حيث يُعد سببا رئيسيا لهما وقاد إلى التشكيك في فعالية القانون وقيم الثقة والأمانة, وخطر يجب استئصاله لتحقيق عملية التنمية.
وأشاروا إلى أن الفساد يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي وتهديد عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وكابوس مخيف يُهدد السلم الاجتماعي بالخطر في أي بلد ينتشر فيه.

بيئة ملائمة
ويعرف المشرِّع اليمني الفساد في القانون رقم 39 لسنة 2006 بشأن مكافحة الفساد, أنه "استغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة سواء كان ذلك بمخالفة القانون أم باستغلاله أم باستغلال الصلاحيات الممنوحة", وأوضح الدّكتور سعيد عبد المؤمن في ورقته "نُبذة عن الفساد والفساد في اليمن", قدّمها في ندوة "الفساد ومخاطره على الاقتصاد الوطني والاستثمار" التي نظّمها المركز اليمني للشفافية ومكافحة الفساد الأسبوع الماضي بصنعاء, خارطة الفساد في اليمن منذ الحُكم الإمامي في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب وما أعقبهما وحتى اليوم, منوها بأنه توفّر له بيئة ملائمة خلال السنوات الماضية, والتي نمت في ظل ظروف ومراحل تطور متعاقبة, تمكن خلالها من الانتشار في كل وحدات جهاز الخدمة المدنية العامة وفي القطاع الرأسمالي الخاص, الأمر الذي أدى إلى ظهور اختلالات إدارية خطيرة وصلت إلى حد المرض الذي يمكن القول إنه لم يعد من السّهل مكافحته والحد منه فقط, بل سيكون له مخاطره على استقرار النظام العام في اليمن -حد قوله. وأن الأمر يزداد سوءا نتيجة لفشل سياسات الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد الحكومية. منوها بأن اليمن تحتل مراتب دُنيا في مؤشرات الفساد, الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية, ففي العام 2002 احتلت المركز 88, والمركز 141 عام 2008, ووصلت التراجع حتى المركز 154 عام 2009.


من جهته، أوضح أستاذ الأدب والنّقد بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشجاع, في ورقته "الفساد وعوائق الاستثمار في اليمن", أنه برغم إطلاق اليمن مشروع الإصلاح السياسي والحرب على الفساد قبل عقد ونصف، وأُنشئت الهيئة العليا لمكافحة الفساد, إلا أنه يزداد يوما بعد يوم, وأنه وفق التقديرات يُقدر حوالي 5 بالمائة من أفراد المجتمع يستحوذون على نحو نصف إجمالي الدّخل الوطني, الأمر الذي ينعكس في مظاهر الفقر والمرض إلى جانب اجتماعي واسع, في مظاهر الترف والبذخ والإسراف والتبذير على جانب قلّة قليلة من السكان, ونتيجة لذلك فإن مُعدل الفقر واحد من أعلى معدلات الفقر في العالم، حيث تجاوز 40 بالمائة من السكان, وتعد اليمن -بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية- ثاني أفقر بلد عربي بعد جيبوتي.

آثاره وأسبابه ومظاهره
إلى ذلك، أكد الدكتور سعيد عبد المؤمن الآثار السلبية للفساد في الجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والإدارية والخدمية, كإضعاف الاستقرار السياسي, وتبديد الموارد المحدودة للدولة والإضرار بالعملية الديمقراطية, وفقدان هيبة القانون في المجتمع, وإعاقة عمليات التنمية وإضعاف النمو الاقتصادي ومُعدلات الاستثمارات, والتأثير على تحصيل موارد الدولة ممّا يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة العامة، وبالتالي تخفيض مستوى الإنفاق العام, لافتا إلى أسباب انتشاره, كالسيطرة على السلطة من قبل فئة أو أسرة أو حزب, وحرمان الآخرين من المشاركة, وضعف السلطة التشريعية, وعدم استقلالية السلطة القضائية وتدخل السلطة التنفيذية في شؤونها والسطو على بعض اختصاصاتها, وغياب الإرادة السياسية في الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد, واستمرار سريان بعض اللوائح والقوانين رغم عدم ملاءمتها للواقع, والجمع بين المنصب العام والعمل التجاري.
بالإضافة إلى ضُعف الوازع الديني, والولاء المناطقي والعشائري والمهني والنّقابي والرياضي, والسياسات الاقتصادية غير المدروسة التي لا تراعي تحقيق قدر من العدالة في توزيع الدّخل القومي على أفراد المجتمع, وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور والمرتّبات, وتقليص الدّور الاقتصادي للدولة وضُعف تأثيرها وغيرها.
وبيّن أن بعض مظاهره وأشكاله تتمثل في العمولات وهي نوع من أنواع الرشاوى, واستغلال البعض للوظيفة العامة للحصول على مناصب هامة للأقارب والأتباع, وتوزيع أراضي الدولة على شكل هبات أو بأسعار منخفضة, وتقصير موظفي جهاز الخدمة المدنية في أداء واجباتهم, والاستخدام السيِّئ لأوقات العمل, والاتجار بالسلاح خاصة المخالف للقوانين الدولية والإقليمية, وغيرها من المظاهر.
وعاء لتكديس الثروة
ويتفق مع ذلك الدكتور عادل الشجاع, موضحا أن الفساد في اليمن يبدو بصورة السرطان الذي ينمو وينتشر بسرعة كبيرة, بسبب الخلل في موازين القوى بين من يمتلكون السلطة ويوظِّفونها لصالحهم الخاص وبين عموم الشعب الذي يتعرّضون للفساد, إلى جانب أن مكافحة الفساد في اليمن تقوم على التنظير ولم تذهب بعد إلى تحديد الفساد وتشخيص الفاسدين, بدليل أننا ومنذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما لم نسمع عن إقالة أي مسؤول حكومي نتيجة لتورّطه في الفساد أو إحالته إلى القضاء بتهمة الفساد.
وأضاف الشجاع: "على الرغم من اشتداد المرض وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلا أن الفساد لا نسمع عنه سوى في الخطابات والنّدوات ووسائل الإعلام, وإذا كان من المُمكن أن نتفهّم حالة الرشوة لشُرطي المرور أو لمراقب الدّوام أو للموظف الصغير, نظرا لواقع الحياة البائسة التي يعيشها أمثال هؤلاء, طالما أن أجورهم لا تضمن الحد الأدنى من حاجاتهم, لكن الأمر يُعد خطيرا ومثيرا للقلق والاشمئزاز عندما يستغل المنصب الحكومي لتمرير الصفقات والمُناقصات وإبرام العقود غير المشروعة واستخدام السلطة وعاءً لتكديس الثروة دون أدنى اعتبار لمصالح الوطن والمواطن وخُطط التنمية الاقتصادية العامة, والأسوأ منه عندما تصبح قيم الفساد أحد شروط اختيار الأفراد لتولّي المسؤولية سواء السياسية أو الإدارية، وكيف تغزو هذه القيم العقول والضمائر, فتغدو في الثقافة الشعبية مظهرا إيجابيا تدلّ على الحنكة والذّكاء في مواجهة القيم النبيلة, قيم الحق والنزاهة والعدل, التي أصبحت -على ما يبدو- سمات الشخصية الضعيفة والساذجة وقليلة الحيلة!".
ويتفق الشجاع وعدد أكبر من المهتمين على أن الفساد ليس مختصا باليمن فقط, إلا أنه أصبح تربة خصبة لنمو الروح الانتهازية، حيث تسللت الشخصيات الفاسدة إلى مواقع القيادة وتفننت الفساد, في حين تخضع مثل تلك الممارسات في البلدان المتقدِّمة للرقابة والمحاسبة أمام القضاء وتُنبذ من قبل الرأي العام والضمير الحي.
السياسات الاقتصادية!
من جانبه، أكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاستثمار، جمال الحضرمي, في ورقته (قانون الاستثمار بين عامي 2002 و2010... قراءة مقارنة), أهمية الاستثمار, وما تتمتع به اليمن من مناخ استثماري تتوافر فيه مُعظم مقوِّمات نجاح الاستثمار, وأن هناك العديد من العوامل المشجِّعة على الاستثمار أبرزها: السياسة الاقتصادية الملائمة, والتي يجب أن تتسم بالوضوح والاستقرار وتنسجم معها القوانين والتشريعات, ممّا يعني أن تشجيع الاستثمار لا يتحقق في قانون, وإنما نتيجة جُملة من السياسات الاقتصادية المتوافقة التي توفّر مستلزمات الإنتاج وبأسعار منافسة وتؤمّن السوق والطلب الفعّال لتصريف المنتجات, وهو ما يتوقّف على: إعادة توزيع الدّخل وزيادة حصة الرواتب والأجور, وتشجيع التصدير وإزالة معوّقاته, وتطوير إجراءات التسليف وتنشيط المصرف الصناعي, وغيرها.
إلى جانب توفّر البنية التحتية اللازمة (الكهرباء, الماء, المواصلات, والاتصالات), وبنية إدارية مناسبة بعيدة عن روتين إجراءات التأسيس والترخيص وطُرق الحصول على الخدمات المختلفة, وضرورة ترابط وانسجام القوانين مع بعضها البعض, وعدم تناقضها ووضوحها.
وقدّم الحضرمي مقارنة بين قانوني الاستثمار رقم 22 لسنة 2002, وعام 2010, مبينا أن أسباب استبدال القانون السابق والذي كان يُعد وبإجماع كثيرين من أفضل القوانين في الجزيرة, بالقانون الجديد الصادر خلال العام الجاري، لعدم التطبيق الجيّد من قبل الجهات المختصة, وعدم وجود دراسات سابقة لتعديل القانون، وخاصة من قبل المنظّمات والجهات المختصة بالتنفيذ, إلى جانب البحث عن مصادر تمويلية جديدة للحكومة من المستثمرين بدلا من تقديم التسهيلات السابقة, وتحوّل وظيفة الهيئة العامة للاستثمار من الأداء التنفيذي لخدمات الاستثمار إلى الترويج له فقط, وترك الجهات المختصة الأخرى تؤدي دورها.

الأنسب للاستثمار
إلى ذلك، أكد خبراء اقتصاديون ومهتمون أن قانون الاستثمار رقم 22 لسنة 2002, أفضل من القانون الجديد بكل المقاييس، وأنه الأنسب لجذب وتشجيع الاستثمار في اليمن في حال التطبيق الجيّد, وأن القانون الجديد أضاف إشكاليات أخرى لقضية الاستثمار بدلا من مُعالجة الإشكاليات القائمة, إن لم يكن أنهى الاستثمار بطريقة سيِّئة.
ونوهوا بأن الجوانب الأمنية والسياسية والبنية الأساسية, والمعوّقات الإجرائية (البيروقراطية وتعدد الجهات المسؤولة عن الاستثمار), والتشريعية المتمثلة في ضعف وسائل فضِّ المنازعات, وضعف الحوافز والامتيازات المقدّمة للمستثمرين, وعدم ملاءمة النظام الضريبي, وقصور في الشفافية وضُعف القضاء التجاري, من أبرز معوِّقات وإشكاليات الاستثمار في اليمن, على الرغم من دعوة الحكومة إلى تشجيع الاستثمار وتدخلاتها في هذا الجانب.

صفقات مشبوهة
وفي سياق موضوع الفساد, أكد رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر, أن حالة الفساد المتفشية في اليمن هي نتاج إدارة سياسية تُسيء استخدام الموارد الطبيعية والبشرية وتحاول استغلالها بطريقة غير سوية, وقطاع خاص يستغل ويترعرع في بيئة تتسيّدها ظاهرة الصفقات المشبوهة والتحايل في كل التعاملات المالية وعدم كفاءة المنافسة, مشيرا في ورقته (الفساد في القطاع الخاص وأثره على التنمية), قدّمها في ذات الندوة, إلى أن الفساد اليمني مركّب يُمارس بالتساوي من قبل القطاع الخاص والموظفين في تلك المؤسسات التي يلتقيان فيها.
وقدّم نصر لمحة تاريخية عن القطاع الخاص اليمني, مبينا أنه يعيش إعاقة شبه دائمة, حيث لم يتمكّن من استلام دفة قيادة الاقتصاد الوطني, قطاع مستورد بدرجة رئيسية، حيث بلغ متوسط مساهمته في الصادرات 8,5 بالمائة خلال الأعوام 2006 -2008, مقارنة بنسبة 65,8 بالمائة في الواردات, وأن الاستثمارات العامة الحكومية ما تزال هي المسيطرة على إجمالي النمو في الإنفاق الاستثماري في البلد, خاصة وأن استثماراتها نمت خلال الخطة الخمسية الثانية بنسبة 25 بالمائة, في حين لم يحقق القطاع الخاص المحلي والأجنبي استثمارات سوى 11,5 بالمائة في السّنة خلال ذات الفترة, أقلّ بكثير عمّا كان مستهدفا 23,5 بالمائة.
وبيّن نصر تأثير الفساد على القطاع الخاص من خلال عدّة نقاط: سُوء تخصيص الموارد المالية والإمكانيات العامة وإهدارها في أوجه لا تحفز النمو الاقتصادي, وتهديد الاستقرار الاقتصادي ومناخ الاستثمار، وبالتالي هروب رؤوس الأموال الوطنية وتثبيط الاستثمارات الخاصة, والحد من المنافسة والابتكار للقطاع الخاص, والمُساهمة في توسيع دائرة الفقر وتراجع فرص العمل, لافتا إلى النواحي التي يُسهم القطاع الخاص من خلالها بصورة فاعلة في تفشي ظاهرة الفساد في اليمن، من أبرزها: التهرب الجمركي والضريبي حيث لا يتجاوز نسبة ما يتم دفعه 20 بالمائة, إلى جانب التضخّم في الأسعار, وتزييف السلع والمنتجات.
تفعيل الرقابة الذاتية
ونؤكد في هذا السياق أن هناك تداخلا بين الفساد ومعوّقات الاستثمار, فالفساد -بحسب الدكتور عادل الشجاع- يؤدي إلى تفشي ظاهرة البيروقراطية في الأجهزة والمصالح الحكومية وتضارب القرارات وارتفاع الرّسوم الجُمركية وغياب الأمن, وهي ذات المعوِّقات التي تواجه الاستثمار, مؤكدا أنه لا يمكن مُعالجة الفساد ما دام تعيين القُضاة بيد السلطة، ولم يتحوّل إلى انتخابات داخل الهيئة القضائية يقوم على قاعدة الكفاءة المهنية والقانونية والأخلاقية, وما لم تشرك الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد كلا الخدمة المدنية والتربية والتعليم في تغيير سياسات التوظيف, خاصة وأنهما من أكثر الوزارات التي يوجد فيها موظفون أشباح.
وحثّ الشجاع على ضرورة إصلاح النظام الجُمركي والضريبي والتوسّع في العمل بالمناطق الحُرة وإقامة موقع شبكي لليمن تتوفّر فيه كافة البيانات عن الاستثمار وإزالة كافة معوِّقاته, معتبرا أن الفساد في اليمن -وعلى ضوء ما سبق- ظاهرة سياسية بامتياز ومُعالجتها لن تكون مثمرة إلا عندما تكون مُعالجة سياسية.
وفي هذا الاتجاه، دعا نصر إلى تطوير الأنظمة المؤسسية واللوائح الداخلية لمؤسسات القطاع الخاص, ووضع قواعد صارمة وتوحيد معايير المُحاسبة ومُراجعة الحسابات, وتحويل الشركات والمؤسسات العائلية إلى شركات ومؤسسات مساهمة تتمتع بالشفافية والإفصاح, وتقليص إجراءات منح التراخيص للمشاريع الاستثمارية، وإصدار دليل يسهل الحصول عليه, وضرورة قيام منظّمات الأعمال بتنفيذ برامج توعية لرجال وسيدات الأعمال لرفع الوعي بخطورة ظاهرة الفساد وآليات مكافحتها والتعريف باللوائح والأنظمة المجرمة للفساد والرشوة.
ومن المؤكد أن تفعيل الرقابة الذاتية على النفس وتربيتها على القيم الدِّينية والأخلاقية واحترام المجتمع وحبّ الوطن, ودور الفرد بتبليغ الجهات المختصة في أي قضية فساد يطّلع عليها, إلى جانب دور الأسرة والتي تعتبر حجر الزاوية في هذا الجانب في إطار المجتمع والحياة العامة, وكالمثل بالنسبة لدور الجماعة والتي يكمن دورها في عدم تقبّلها للفاسدين, سيُساهم في التصدِّي لظاهرة الفساد والحد منها.
وقبل ذلك، يجب إجراء دراسات علمية حول الفساد للخروج بالحلول المناسبة, لعدم وجود دراسة مرجعية تحدد حجمه ومكامنه وكيفية معالجته.
(السياسية) ـ غمدان الدقيمي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق