الجمعة، 6 مارس 2009

سياسـة استعمـارية حديثـة تدعمها الدول الكــبرى وتنفذها محـكمة الجنايات الدولية


مما لا شك فيه أن قرار محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير لا يستهدف البشير ولا السودان فقط وإنما المنطقة العربية بشكل عام ولا يخفى على أحد أن للقرار دوافع تهدف إلى خلخلة الأمن والاستقرار في السودان وتغيير السياسة التي تنتهجها السودان والتي هي في حقيقة الأمر ضد المشروع الصهيو ـ أمريكي.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي قد أصدرت الأربعاء الماضي مذكرة دولية لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب (تصفية مدنيين والتهجير القسري والتعذيب والاغتصاب) وأشارت  إلى أنه متهم جنائيا بوصفه مشارك غير مباشر في هجمات دارفور. وأضافت المحكمة أن هناك سبعة اتهامات تعرض البشير للمحاكمة لا تشمل تهمة الإبادة الجماعية.
وأكدت المحكمة أن على الدول الوفاء بالتزاماتها بعد صور المذكرة التي تأتي بعد مرور أكثر من سبعة أشهر من إصدار المدعي العام للمحكمة أوكامبو طلب إصدارها بحق الرئيس السوداني.
وبدوره أكد لويس مورينو أوكامبو في مؤتمر صحفي بلاهاي أنه يمكن اعتقال البشير في حال سفره في المجال الدولي، مشددا أن على السودان احترام القانون الدولي و"لا يمكنه الوقوف ضد مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية".

وبالعودة قليلا إلى ما قبل إصدار مذكرة الإعتقال قال مستشار سفارة السودان بصنعاء عبدالهادي عبدالباسط  في إحدى محاضراته بصنعاء في يوليو الماضي أن النزاع في دار فور نزاع داخلي لا يحق للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التدخل فيه و قرار مجلس الأمن رقم (1593) الذي أحال أحداث دار فور للمحكمة الجنائية الدولية كان قرارا خاطئا ومثل فضيحة دولية في حق القانون الدولي لأن القرار لم يبنى على تقرير لجنة التحقيق وإنما لجنة تقصي حقائق والأرقام التي تتداولها المنظمات والدول الغربية حول أعداد القتلى والنازحين في إقليم دار فور مفبركة وغير حقيقية.

موضحا أن أوكامبو مدعي محكمة الجنايات الدولية لم يقم بأي زيارة للسودان وبالتالي فإن كل الأدلة التي يتحدث عنها قام بتجميعها من الإنترنت وإفادات من بعض قاطني معسكرات اللاجئين في تشاد بواسطة قيادات معارضة دارفور والتي استخدمت فيها الفبركة وشراء الذمم بعيدا عن الواقع الحقيقي في دارفور وبعيدا عن التحري والتحقيق الجاد والمسئول.

وما يدفعنا لصحة القول السابق هو أن معاهدة فينا للإتفاقيات الدولية والتي وقعت عليها معظم دول العالم يشير أحد أهم بنودها إلى عدم سريان أي اتفاقية دولية على دولة ما مالم تصادق الدولة على تلك الاتفاقية وبالتالي تعتبر محاولات الضغط على السودان للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية رغم عدم مصادقته على نظامها الأساسي مخالفة صريحة لمعاهدة فينا التي تنظم الاتفاقات الدولية.

والواضح أن عدد كبير من الدول الكبرى والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لم تصادق على نظام المحكمة الجنائية الدولية بل إن الولايات المتحدة الأمريكية هددت بقصف مقر المحكمة إذا حركت أي إجراءات ضد رعاياها بحسب تصريحات مسئولة وبعض الدول الكبرى أيضا برغم عدم مصادقتها وعدم اعترافها بهذه المحكمة إلا أنها لم تتورع في استخدام المحكمة لتصبح إحدى وسائل الضغط السياسي على الدول الصغرى بمعنى "سياسـة استعمـارية حديثـة تدعمها الدول الكــبرى وتنفذها محـكمة الجنايات الدولية".
في المقابل رحبت الولايات المتحدة الأميركية  بالمذكرة ودعت السودانيين إلى "ضبط النفس"، كما حذرت في الوقت نفسه من تعرض الأجانب أو المصالح الغربية لهجمات من قبل المتظاهرين الغاضبين بسبب قرار المحكمة الدولية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبيرت وود إن "الولايات المتحدة تؤمن بأن الأشخاص الذين يرتكبون البشاعات يجب أن يمثلوا أمام العدالة".

وكما هو معروف أن الولايات المتحدة الأمريكية بحكم أنها دولة المقر الرئيسي للأمم المتحدة ومجلس الأمن هي الدولة الرئيسية التي تتحكم في توظيف موظفي المؤسسات واللجان الدولية وبالتالي أي تقرير يجب أن لا يخالفها وحلفاءها وإلا سيفقد الموظف وظيفته وهو ما يجعلنا نشكك في مثل هذه التقارير التي تكون الدول الصغرى في الغالب هي الضحية وكبش فداء للمخططات الدولية وبتعمد من الدول لكبرى الاستعمارية.

لن نذهب بعيدا فقبل أسابيع قليلة مضت ارتكبت إسرائيل وبدعم أمريكي ودول أخرى أبشع الجرائم الإنسانية بأسلحة محرمة دوليا ضد مواطنين عزل في قطاع غزة بفلسطين تحت مبرر الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب حيث يتهمون حركة حماس بالإرهابية بالرغم أنهم من ينطبق عليهم مصطلح الإرهاب بل وينتهك القانون الدولي من قبلهم لكننا لم نسمع أنه تم محاكمة رؤساء أوقادة إسرائيليين أو أمريكيين أو غيرهم بسبب جرائم حرب (برغم أنها كثيرة) وعندما وقفت حكومة السودان وتصدت للتمرد الذي رفع السلاح ضدها في أجزاء من إقليم دارفور سعت الدول الكبرى للضغط عليه والنيل من رئيسها وفق سياسة مبرمجة تسعى لإحداث الفوضى في السودان والمنطقة بشكل عام وإفساح المجال أمام الشركات والمنظمات العالمية لنهب ثروات الشعوب والدول ولم يكن أوكامبو إلا أداة لتنفيذ مطامع تلك الدول.

ونستطيع أن نؤكد أن استهداف الرئيس البشير جاء بسبب مواقفه الإسلامية والتي منها أصبحت السودان الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تطبق الزكاة بقانون إلزامي ويدار أمرها بمؤسسة رسمية هي(ديوان الزكاة)
بل ورفض البشير كل دعاوي التطبيع مع العدو الصهيوني رغم كثافة الضغوط التي مورست ضد السودان إلى جانب أن القرار الذي أعقبه مؤخرا مذكرة الاعتقال قصد به عرقلة العملية الديمقراطية في السودان وإيقاف وتخويف الاستثمار العربي من التوجه نحوها وإيقاف النمو الاقتصادي للبلد خصوصا وأن تقرير صادر مؤخرا عن البنك الدولي أشار إلى أن نسبة النمو في الإقتصاد السوداني بلغت (11%) كثاني أكبر نسبة نمو على مستوى العالم.
ولا شك بأن التداعيات السلبية المحتملة لهذا القرار ستكون كبيرة جدا في حال تم تنفيذه على مستقبل تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وجهود تفعيل العملية السياسية في دارفور وعلى استقرار الأوضاع في السودان ودول المنطقة بأكملها.

لذا ينبغي أن تطالب جميع الدول العربية والإسلامية مجلس الأمن الدولي الذي أحال قضية دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية أن يعيد النظر في هذا الإجراء غير العادل وتفعيل المادة 16 من اتفاقية المحكمة ولما يخدم الأمن والاستقرار في السودان والمنطقة وأن تتخذ موقفا جادا يحول دون تحقيق الهدف الذي تسعى له الدول الاستعمارية وإلا سيكون مصير البقية كمصير البشير.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق