الأربعاء، 25 مارس 2009

اليمن.. كارثة مائية والحاجة ملحة لخارطة طريق



للمياه يومها العالمي، لكن الملف المؤرق دولياً وإقليمياً ومحلياً لا يحتاج إلى "يوم عالمي" للتذكير بأن "نصف سكان العالم سيعيشون بحلول سنة 2030 في مناطق تعاني نقصاً حاداً في المياه"، كما يشير تقرير خبراء الأمم المتحدة، الذي عرض في مؤتمر دولي الأسبوع الماضي في تركيا وحذر من أن "معدل النمو السكاني يحتم زيادة الطلب على المياه بواقع 14 مليون متر مكعب سنوياً".
وإذا كانت "معظم دول الشرق الأوسط بلغت بالفعل الحدود القصوى لمواردها المائية" -كما يؤكد التقرير- فإن الحاجة الملحة إلى المياه في المنطقة عامل آخر من عوامل التوتر، على مستوى المياه المشتركة بين بلدان المنطقة أو على مستوى التنمية في هذه البلدان. ويفاقم الملف المؤرق تغيّر مناخ يساهم بوضوح بتصحر يتمدد، وجفاف يمتد معظم أشهر السنة، وسياسات مائية، معظمها قاصرة في ظل استنزاف موارد المياه وهدرها وتلويثها وسوء استخدامها على الرغم من عشرات المؤتمرات والدراسات والتحذيرات المتكررة بعطش زاحف، كما الصحراء.
ويعد اليوم العالمي للمياه، الموافق 22 مارس، الموعد المقرر لتحرك الجهود الدولية؛ حيث يعد الحدث مناسبة مميّزة ليس فقط لإبراز أبعاد مشكلة نقص المياه وأهميتها، ولكن أيضا للإلمام بأطراف القضية والتوصل لحلول عملية لحل هذه الأزمة على المستوى المحلي للدول.
فهناك مشكلات خطيرة تفرض نفسها بقوة في بعض البلدان والأقاليم النامية، وعلى سبيل المثال: نذكر الزراعة التي تمثل حتى الآن أكبر مستهلك للمياه؛ حيث تستهلك حوالي 70 بالمائة من إجمالي كميات مياه الضخ، في الوقت الذي يشكل العائد الذي تسهم به الزراعة جزءا ضئيلا من الدخل القومي.
لذا أصبح العمل على توافر الموارد المائية ذات النوعية الحديّة، كالمياه الجوفية المالحة، ومياه الصرف الصحي، والمياه العادمة المعالجة، مسألة مهمة، لاسيما لأغراض الزراعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في البلدان الشحيحة بالمياه.
الاعبوس .. أنموذجاً
"السياسية" شاركت العالم همه إزاء قضية "شحة المياه" وأجرت استطلاعا في عزلة الاعبوس بمديرية حيفان محافظة تعز، عن مشاكل المياه.
فمعظم قرى "الأعبوس" منذ ما لا يقل عن عام تعاني شحة في المياه وانخفاض منسوبها في الآبار، وهو ما ينذر بجفاف حاد قد تتعرض له المنطقة، ويؤدي إلى هجرة السكان إلى مناطق تتواجد فيها المياه.
وأوضح عدد من أبناء الأعبوس لـ"السياسية" أن هناك مأساة تعاني منها عدد من القرى داخل العزلة؛ جراء شحة المياه، ويصل الأمر بنساء المنطقة إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، كيلومترات، بحثا عن شربة ماء في القُرى المجاورة.
مؤكدين أن عددا من قُرى العزلة لم تشهد تراجع إنتاج الحبوب (الدخن والغَرِبْ) منذ عدة سنوات إلا العام الماضي، وأن السبب يرجع إلى الجفاف وقلة الأمطار، والتي هطلت أربع مرات لا غير، منذ بداية الموسم الزراعي، الذي استغرق خمسة أشهر، وتم حصاده بعد عيد الفطر المبارك، وأنه إلى الآن لم تهطل الأمطار، وهو ما تسبب في نزف خزانات المياه الشخصية التي يستخدمها المواطنون، وأنهم لجأوا إلى الآبار الموجودة في العزلة، والتي بدأت تجف نتيجة تزايد إستهلاك المياه.
ولفت مواطنون إلى أن المنطقة لم تشهد الجفاف منذ سنوات عدّة، كان آخرها وأشدها في العام 1991، حيث جفت جميع الآبار وانعدمت مياه الشرب، وتم جلبها من مناطق بعيدة بأسعار خيالية -وهو ما تعانيه بعض قرى العزلة حاليا- إلا أنه -بحسب مواطنين- وبعد أزمة الجفاف التي تعرضت لها المنطقة عام 1991، تحرك الخيّرون من أبناء المنطقة، وبذلوا جهوداً لمتابعة الجهات الرسمية بهدف الحصول على مشروع "سد" في وادي "نمش"، يقوم بتغذية المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية لتوفير مياه الشرب للمواطنين والثروة الحيوانية، حيث بلغت تكلفته الإجمالية 40 مليوناً و663 ألفاً و891 ريالاً، بحسب تقارير وزارة الزراعة .
وبرغم أن السد تحول إلى حاجز -كما هو موجود حاليا- إلا أنه ساعد في قيام بعض الأنشطة الزراعية حول منطقته، مثل زراعة بعض أشجار الفاكهة، بالإضافة إلى عدم تعرض المنطقة إلى حالات الجفاف السابقة لعدم نضوب المياه الجوفية من الآبار، منذ تلك الفترة، ولكن نتيجة لعدم شق طريق إلى داخل بحيرة السد لتصفيتها من الأشجار والمدرّجات الزراعية الموجودة في وسط البحيرة، وعدم بناء الحواجز التي تعمل على حجز الأتربة والمخلفات الأخرى ومنع وصولها إلى بحيرة الحاجز، كما تقوم بتخفيف اندفاع المياه إلى البحيرة وحماية الحاجز من الأضرار؛ بسبب اندفاع المياه، قد حرم المنطقة من الاستفادة المُثلى من هذا المشروع، حيث تعرّض الحاجز وشبكة الري التابعة له لأضرار كبيرة بعد السيول الجارفة التي حدثت في 19 سبتمبر 1999، وردمت بحيرته وطُمرت بالكثير من المخلفات، وأحدثت حفرة عميقة بجوار جسم الحاجز عند القاعدة أمام فتحة "المفيض" تهدد جسم الحاجز بالانهيار بمقاس 20 في 15 في 6 أمتار، بحسب تقرير نشرته "السياسية" سابقا.
وقال مواطنون إنه منذ فترة بدأت المياه تنضب في كثير من آبار العزلة، وهي مؤشر خطير قد يعيد مأساة جفاف 1991 مرة أخرى -لا سمح الله- نتيجة للعبث الذي تعرض له حاجز وادي "نماش".
ويذكر أن عددا كبيرا من القرى يُجلب لها الماء من الآبار التي تتغذى من الحاجز منها: معشر وسقيلة والدمنة والشعابي ودعان والعذير الأعلى والسراق والجريبة والمشاوز والكرب والعقبة والفظارم والشعوبيين... الخ، وهي تشكل ثلاثة مراكز انتخابية، وحوالي نصف سكان عزلة الأعبوس، حيث يبلغ عدد السكان المقيمين في العزلة -بحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء، ديسمبر 2004- 18645 نسمة، وإجمالي عدد القرى 25 قرية، بحسب المصدر نفسه.
وأشارت بيانات خاصة بالعزلة إلى أن عدد القرى التي تتوفر فيها مياه الشرب بواسطة الشبكة العامة لمشاريع المياه لا تتعدى خمس قرى، والبقية تعتمد على مياه السقايات (خزانات مياه) والآبار العادية والغيول.
كما أن الجفاف أثر سلبا على الثروة الحيوانية، حيث كانت تُعد بالآلاف، وتراجعت أعدادها لعدم توفر المياه والأعلاف. هذا إلى جانب الأثر البيئي للجفاف، ويظهر من خلال اختفاء الحيوانات البرية والطيور، بالإضافة إلى تدهور الغطاء النباتي وانقراض العديد من أصناف الأشجار، خصوصا وأنه يوجد في العزلة عدد من الأودية الجافة منها: السبد, دعان, الشرف, والحسيمة، كما تؤكد ذلك المصادر المحلية.
وضع مأساوي

وفي هذا الجانب، يقول الصحفي والكاتب أنور نعمان راجح -أحد أبناء قرية السبد إحدى قرى عزلة الأعبوس- إن شحة المياه في قريته والقرى المجاورة هي مشكلة حقيقية، وتزداد تعقيدا يوما عن يوم، والأمر ينذر بما هو أسوأ؛ لأنه متعلق بالماء، ولا حياة بدونه، والمشكلة تكمن في عدم وجود بدائل لمصادر المياه في الوقت الراهن في هذه المنطقة، والمناطق التي تعتمد على آبار وادي السبد في الحصول على شربة ماء في ظل الجفاف الذي يضرب القرى الجبلية المحيطة بالسبد إلى مسافات بعيدة - ولهذا أقول إن الوضع سيئ للغاية، ويحتاج إلى حلول مستعجلة قبل أن تُعلن هذه القرى مناطق جفاف منكوبة، عندما تصل الأمور -لا قدر الله- إلى عدم مقدرة السكان على الحصول على ما يروي ظمأهم من الماء في ظل تراجع منسوب المياه في الآبار إلى حد ينذر بالكارثة.
وأشار راجح إلى أنه في الوقت الراهن، لا يمكن لأحد أن يتصور الوضع وحقيقته ما لم يكن على إطلاع مباشر، وأن النساء يأتين إلى هذا الوادي -وادي السبد- من مسافات بعيدة جداً، حيث لا سبيل أمامهن غير هذا السفر الطويل للحصول على ما تيسّر من الماء، والزحام على الآبار على أشده، والموجود من الماء لا يكفي، ولهذا أقول "إن الوضع مأساوي إلى حد كبير".
ولفت راجح إلى أن منطقة السبد لم تكن تصنّف ضمن المناطق أزمة مياه؛ لكنها دخلت ضمن هذا التوصيف خلال السنين القليلة الماضية.
خارطة طريق
وكان وزير المياه والبيئة الدكتور عبد الرحمن الارياني طالب في تصريحات سابقة، الحكومة برسم خارطة طريق واضحة لما يجب عمله لمواجهة أزمة المياه التي تعاني منها العديد من مناطق اليمن وبشكل خطير كمحافظة تعز، التي لا تصلها المياه إلا مرة واحدة كل 20 يوماً، مؤكداً أن اليمن تجاوز مرحلة ندرة المياه إلى أزمة المياه، مشيراً إلى أن وزارته فشلت في السيطرة على 150 حفارا يعمل في حفر الآبار الارتوازية للمياه بشكل عشوائي، موضحاً أن هذا العدد ليس إجمالي الحفارات التي تعمل في مختلف المحافظات اليمنية، والتي قال إنها تصل إلى أكثر من 950 حفاراً، مشدداً على عدم وجود إرادة سياسية لتطبيق قانون المياه.
وأضاف الدكتور الإرياني أن اليمن من أقل الدول كفاءة في استخدام المياه، إلى جانب كونها أكثر دول العالم فقراً في الموارد المائية، "بدلاً من أن يدفعها فقر الموارد لأن تكون الأفضل في استخدام مياه الشرب والري"، موضحاً أنها تتعرض لمشاكل التلوث والاستنزاف العشوائي بسبب ما اسماه بالإدارة السيئة التي قال "إنها السبب والمشكلة في آن معاً".
حلول سهلة

هناك حلول عملية تقدمها التكنولوجيا بطريقة سهلة واقتصادية لمشاكل المياه نجحت في العديد من البلدان ويمكن تطبيقها في اليمن من أجل الإسهام في معالجة المشكلة المائية التي يعاني منها اليمن.
ويقول وكيل وزارة المياه والبيئة لقطاع البيئة، الدكتور حسين علوي الجنيد، إن مشكلة المياه تأتي في مقدمة المشاكل البيئية الموجودة في اليمن من حيث الكم والكيف؛ كون اليمن يعاني شحة في المياه، ولا يوجد فيها أنهار مع مؤشرات بانخفاض منسوب المياه الجوفية.
وأوضح الجنيد أن إيقاف عمليات الحفر العشوائي للآبار مع استخدام وسائل تقنية حديثة للري وبناء الخزانات وعمل مصائد للمياه للاستفادة من مياه الأمطار يجب أن تكون الآن وسريعا، وأن إهمالها أو تأخيرها سيضاعف من المشكلة.وشدد الجنيد على ضرورة إيجاد خارطة مائية وزراعية في اليمن "على ضوئها نوجد الحلول للمشكلة المائية، وكيفية استخدام الوسائل الحديثة والصحية، خصوصا وأن تكاليف كثيرة تسببها عمليات الترميم للسدود مع حدوث عمليات تسرب وعدم مقدرتها على تغذية المياه الجوفية".
من جانبه شدد مدير عام الري بوزارة الزراعة، المهندس مطهر زيد، على ضرورة وجود الخزانات المائية واستخدام الوسائل التكنولوجية، وإدخال مشاريع للتوعية المائية التي تحذر من استمرار إهدار هذه الثروة.
أرقــام: تقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو"، قال: إن متوسط حصّة الفرد في اليمن من المياه المتجددة تبلغ حوالي 125 مترا مكعبا في السنة فقط، مشيرة إلى أن هذه الحصة لا تمثل سوى 10 بالمائة مما يحصل عليه الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والبالغة 1250 مترا مكعبا و20 بالمائة من المتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه والبالغة 7500 متر مكعب.
وأضاف التقرير أن اليمن من بين أفقر 10 بلدان في العالم في مسألة المياه، وأن مساحة الأرض التي يمكن زراعتها في اليمن تقدر بحوالي 3.6 مليون هكتار، أي حوالي 6.5 بالمائة من مساحة اليمن، إلا أنه وبسبب النقص الحاد في المياه فإن إجمالي المساحة المزروعة في اليمن لا تتجاوز 1.6 مليون هكتار، أي حوالي 2.9 بالمائة من إجمالي مساحة اليمن.
وقال التقرير إن مشكلة المياه في اليمن من أخطر الكوارث التي تهدد البلد؛ كونها من أهم أسباب الفقر لتسببها بحرمان أعداد هائلة من الأيدي العاملة من المشاركة في القطاع الزراعي، الذي هو الحرفة الأساسية للمجتمع اليمني.
وذكر خبراء أن ما يصل إلى نحو 60 بالمائة من المياه المستهلكة في اليمن تستخدم لري محصول القات، محذرين من خطر التلوث نتيجة المياه المستخدمة في ضخ النفط الخام من 15 بئرًا في المنطقة، ولا تتوفر مياه صالحة للشرب إلا لنصف السكان فقط.
وتظهر الإحصاءات الرسمية أن 50 بالمائة فقط من سكان صنعاء البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة، لديهم مياه جارية في منازلهم، بينما تصل المياه الصالحة للشرب في المدن الأخرى لعدد أقل من السكان، في حين لا توجد هذه الخدمة أصلاً في كثير من بلدات الريف وقراه.
ورغم الأمطار الموسمية التي تسبب فيضانات أحيانًا ببعض مناطق اليمن، يصنّف البنك الدولي البلاد على أنها إحدى أفقر دول العالم من حيث الموارد المائية، ولا توجد أي أنهار في اليمن، وتعتمد البلاد كلية تقريبًا على نحو 45 ألف بئر تنفد مياهها سريعًا، بسبب سوء الإدارة وطرق الري التي تهدر كميات كبيرة من المياه.
ويقول البنك الدولي: "إن مياه الأمطار والموارد الأخرى تعوّض أقل من ثلاثة أرباع المياه الجوفية التي تستخدم سنويًّا في اليمن، ويبلغ نصيب الفرد سنويًّا من المياه في اليمن نحو 150 مترًا مكعبًا مقارنة بمتوسط استهلاك المياه للفرد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 1250 مترًا مكعبًا و7 آلاف متر مكعب في العالم"، وفقًا لتقديرات البنك الدولي الذي قال في تقرير أصدره مؤخرا: "اليمن من أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه".


نقلا عن صحيفة"السياسية" اليومية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق