رغم الظروف القاسية التي شهدها اليمن في أربعينيات القرن الماضي، إلا أنه تعلّم أبجديات القراءة والكتابة على يد والده -المغفور له بإذن الله تعالى- أحمد عثمان، وهو لم يتجاوز السنين الخمس، ليواصل تعليمه مطلع الخمسينيات لدى الحاج عبد العزيز عطا -رحمة الله عليه- أحد فقهاء عزلة الأعروق لأربع سنوات, وأصبح بعدها مُعلّما، ومن ثم مديرا لمدرسة حديثة.
الأستاذ عبد الرؤوف أحمد عثمان، 75 عاما، أب لسبعة أولاد -من أبناء قرية القُرًنة أعبوس- مديرية حيفان م। تعز، يتوكأ على عصاه حاليا، أفنى قُرابة العقد في خدمة التعليم في عزلته، وكان شغله الشاغل، ورأى فيه -ولا يزال حتى اليوم- حلا أمثل لضمان حُرية الإنسان وكرامته وحُلمه.
تجارب جمّة
مر عبد الرؤوف منذ نعومة أظفاره بتجارب، أبرزها -على سبيل المثل لا الحصر- في الفترة 1962- 1970، عند ما حل محل والده مُعلما لمُدة عام في مدرسة الإرشاد - ظبي أعبوس التي افتتحت عام 1961। وفي العام 1963، أصبح مديرا لها حتى العام 1970، لينتقل بعدها إلى العمل في العاصمة صنعاء، إداريا في مجال الكهرباء، وذلك على خلفية نصيحة طبية بترك التعليم كحل لا بُد منه لتجاوز نوبات الربو التي عانى منها। قبل ذلك كان رؤوف قد عمل في مهن متعددة، بحثا عن الرزق، في عدن -6 سنوات- والسعودية -3 سنوات- ليعود في إثرها إلى الحديدة عام 1958، ومن ثم إلى مسقط رأسه، حيث افتتح هناك "دُكانا"।
أب ومعلم
وصفه عدد ممّن عرفوه وتعلموا على يديه وطلاب من مدارس مجاورة بـ"التربوي العظيم والنادر" الذي ساهم في إرساء القواعد التعليمية في منطقة الأعبوس, وأنه منذ تحمله إدارة مدرسة الإرشاد بذل جهودا كبيرة لإنجاح رسالته ورسالة المدرسة، ولم يألو جُهدا في توفير الاحتياجات مع صعوبة الظروف وشحة الإمكانيات, يصفه أحد طلابه -عبد الرحمن سيف إسماعيل- بتربوي عظيم من العيار النادر, وقال: "لقد استطاع أن يجمع بين صفتين، فكان يتعامل معنا كأب ومُعلم في نفس الوقت, ويمتلك روحا تربوية عالية يحب جميع الطلاب، ويعتبرهم أبناءه، ولا يزال كذلك وأفضل، حتى اليوم"।مشيرا إلى أن عبد الرؤوف استفاد كثيرا من والده الذي كان فقيها وتربويا وأحد المعلّمين الأوائل في المدرسة بالمنطقة، وعمل على نشر التعليم وتشجيع المواطنين على الإقدام عليه وشرح فوائده للجميع। في المقابل يقول محمد عبد الوكيل جازم أحد أبناء المنطقة أنه كان للمذكور اهتمام كبير بالمسرح -بحسب علي أسعد جازم- وأضاف: "لا يزال الكثيرون من طلابه يتذكرون المسرحية التي ألفها عن الثورة اليمنية، وهروب البدر, حيث أعطى لكل طالب ممثل شخصية زعيم أجنبي أو عربي، وجعل حواراتهم تدُور حول الثورة؛ مجسّدا ومكثّفا المشاهد التي تُوضح من مِنْ هؤلاء الزعماء وقف مع الثورة اليمنية، ومن وقف ضدها، بينما جسّد هو مشهد الإمام البدر، وهو يفر مختفيا بزي امرأة"।
"الساعة ثمان لازم تنام"!
هي نصيحة تربوية، طالما سمعها طلاب تلاميذ الصفوف الأولى -أول وثاني- بمدرسة التحرير في مشاوز أعبوس التي أنشئت عام 1963، بتمويل من النادي العبسي بعدن، وبمبادرات طوعية من أبناء القرى المحيطة -وذلك خلال الزيارات المتكررة للأستاذ القدير عبد الرؤوف أحمد عثمان إلى المدرسة الناشئة حديثا। هكذا يتذكّر الأخ محمد راوح، وهو أحد تلاميذ الدفعة الأولى، الذين التحقوا بمدرسة التحرير بقوله: لا زلت أذكر حتى اليوم قول الأستاذ القدير عبد الرؤوف أحمد عثمان مُلوّحا بأُصبع البنصر اليمنى، "الساعة ثمان لازم تنام"। ولفت راوح إلى أنه عمل بنصيحته، وكان ينام في وقت مبكِّر -أحيانا قبل الساعة الثامنة- ليصحوا قبل صلاة الفجر للمذاكرة، وظلت هذه العادة لديه حتى صارت من الأسباب التي كانت وراء تحصيله الدراسي الجيد।
لم نفكّر بالصعوبات
يصف عبد الرؤوف فترة عمله مديرا لمدرسة الإرشاد، وواقع التعليم حينها بـ"الصعب"। ويقول: "قبل تأسيس المدرسة لم تكن في الأعبوس سوى مدرسة واحدة هي مدرسة الحُرية (بني علي)، والتي تأسست عام 1956, وكل أبناء قرية ظبي وما جاورها ساهموا في إنشاء مدرسة الإرشاد ودعموها لشعورهم بالحاجة الضرورية لإيجاد مدرسة نظامية حديثة حينها، وعلى رأسهم المشاركون في قيادة ونشاط نادي الاتحاد العبسي في عدن"।ويضيف: "لأن الحاجة كانت ملحة لوجود مدرسة وتعليم لم نكن نفكِّر بالصعوبات ونحاول تجاوزها مهما كان الثّمن, بالرغم من عدم توفّر الكُتب ولا المناهج ولا المعلّمين إلا أننا كُنّا نعتمد في تدريس الطلاب على مراجع كثيرة، ولفترتين صباحية ومسائية، للتقوية، وقُمنا باستجلاب معلّمين من خارج المنطقة لتغطية العجز"।مشيرا إلى أن التحاق التلاميذ بالتعليم في المدرسة خلال تلك الفترة كان عظيما، وأن عددهم وصل إلى ما يقارب 350 تلميذا وتلميذة، يتلقون التعليم من الصف الأول وحتى السادس الابتدائي, ويتذكّر رؤوف أن من أوائل المعلّمين الذين عملوا في المدرسة هم: علي أمين قاسم, علي أنعم الحوباني, عبد الوهاب عبد العزيز, عبد الرؤوف نعمان، إضافة إلى والده أحمد عثمان، والأستاذ عبد الحافظ محمد طاهر، أول مدير للمدرسة، إلى جانب إدارته لمدرسة الحُرية بني علي - أعبوس, ـرحمة الله عليهم جميعا।لافتا إلى أنه بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 تم ربط مدرستي الحُرية والإرشاد بوزارة التّربية والتعليم، وأصبحتا حكوميتين من حينها।لافتا إلى أن أجور المعلّمين كانت تدفع على حساب الأهالي عبر لجنة المدرسة، ومنذ العام 1963 تكفّلت الحكومة بدفع نصف الراتب ولمُدة عامين، أصبح بعدها كاملا على نفقة الحكومة, بينما استمر الأهالي بدفع تكاليف الصيانة والتطوير حتى وقت متأخر।وتقلد عبد الرؤوف ـالمتقاعد منذ عام 98ـ عددا من المناصب الإدارية بدءا بشركة الكهرباء سابقا ثم المؤسسة العامة للكهرباء ثم وزارة الكهرباء متنقلا من رئيس قسم المخازن إلى نائب مدير إدارة المخازن ثم مديرا للخدمات وأخيرا مديرا للسكرتارية।
(السياسية) ـ غمدان الدقيمي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق