هل فكّرت يوما وأنت ذاهب لأداء الصلاة في أحد المساجد بأنك ستعود محمّلا بالأمراض المعدية والخطيرة بسبب مرورك في حوض مليء بالمياه لا يتعدّى ارتفاعه سوى سنتيمترات يقع جوار أماكن الوضوء في غالبية المساجد بمختلف مُحافظات الجمهورية؟!
لنسأل أنفسنا: كم شخصا مر وسط هذا الحوض؟ كم عدد المصابين بأمراض خطيرة ومعدية منهم؟ هل هذه المياه نظيفة؟ وما مدى خطورتها بعد أن لمستها أقدام كثير من المواطنين أثناء دخولهم إلى المسجد؟
تخيّل الآن أحواض أو برك مياه في مساجد أخرى يتم الوضوء بداخلها بشكل جماعي وفي وقت واحد, فما مدى الخُطورة هنا؟
عزيزي القارئ يحدث هذا وذاك وبشكل منفصل في غالبية مساجدنا دون أدنى وعي منّا كمواطنين أو قائمين على المساجد -إلا ما ندر- ولا من الجهات المعنية التي لا زالت حتى اللحظة غير مُبالية باستثناء التوعية -حد قولها- ولم تتخذ قرارا يحجِّم الخطر.
يستبدل الماء مرّة باليوم
يجمع عدد من القائمين على المساجد في أمانة العاصمة بأن وجود هذه الأحواض ضرورة؛ لأن غالبية الأشخاص يخرجون من حمامات المساجد وأماكن الوضوء وأقدامهم غير نظيفة فتعمل على تنظيفها قبل دخولهم للمساجد, وأوضحوا أنهم يستبدلون الماء مرّة واحدة في اليوم معظم الأحيان, وقال أحدهم: "الماء أكثر من قلّة لا يحمل الخبث", وأكدوا أن مسألة إلغاء تلك الأحواض مقترنا بتوجيهات الجهات المختصة "وزارة الأوقاف" وغيرها من الجهات, في حال ثبت خُطورتها.
إلى ذلك ينتقد إمام أحد المساجد بالعاصمة -فضّل عدم ذكر اسمه- وجود تلك الأحواض، ويطالب بإلغائها, مشيرا إلى أنها ليست إلا تقليدا توارثه كثير من الناس عن أصحاب المذهب الزيدي الذي يُبالغ في الطهارة.
موضحا أنهم في مسجد (...) استحدثوا بابين للخروج من مكان الوضوء أحدهما فيه حوض مياه والآخر لا يوجد كحل وسط.
ملوث بكل أنواع البكتيريا
من جهته، أوضح أستاذ طب المجتمع في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة صنعاء ومستشار الصحة العامة والبحوث الصحية، الأستاذ الدكتور يحيى رجاء، أنه لا يمكن تحديد مخاطر أحواض المياه تلك (مغاسل الأرجل في المساجد) وما تحتويه من جراثيم من عدمها لعدم وجود دراسة علمية تناولتها.
لكنه يتوقّع وجود بكتيريا ضارة وفطريات (فنجس) , منوها بأن الماء الموجود هناك ملوث بكل أنواع البكتيريا, وأنها تسبب نوعين من المخاطر الحقيقية التي تصيب جلد الإنسان: أمراض بكتيرية وأمراضا فطرية.
انتقال الأمراض المُعدية
وأكد رجاء انتقال الأمراض المُعدية بين المواطنين وتأثير البكتيريا السلبي عليهم؛ نتيجة تلك المياه، خاصة إذا وُجدت جُروح في القدم، حيث تسبب البكتيريا في هذه الحالة مشاكل كثيرة منها -على سبيل المثال- إذا كانت من المُكوِّنات السبحية أو العنقودية, إصابة الشخص بالتهابات وتقيّحات وغيرها, أو يصاب بصنافير (خوارج) إذا لم يكن مجروحا.
وأكد رجاء أن جلد الإنسان هو خط الدفاع الأول, إلا أنه في حال وُجدت فطريات داخل تلك الأحواض فبالإمكان أن تصيب حتى الجلد السليم، حيث تتركز الفطريات بين أصابع الأرجل، وتسبب عدّة مشاكل للشخص.
لافتا إلى أن المشكلة تظل قائمة؛ كون الأقدام غير معقّمة، والتي يقول إن الأوساخ تأتي منها, "حتى عند ما يدخل الشخص حمامات المسجد فلا يُستبعد أن يخرج وهو حاملا تلوثا برازيا".
إسكارس وتيفود وكوليرا
وفي الوقت الذي يؤكد فيه أطباء كُثر خطورة هذه الأحواض، وكذا مواطنون ومهتمون, قللّ استشاري أمراض الباطنية والكبد أستاذ طب المجتمع بجامعة صنعاء، الأستاذ الدكتور أحمد الحداد، من ذلك, وقال: "حاليا بوجود شبكة الأنابيب التي تُستخدم للوضوء والتمضمض والاستنشاق على انفراد، بينما ينحصر دور الأحواض في المرور عليها فقط، بعد استكمال الوضوء, فقد أصبحت إمكانية انتقال العدوى من شخص إلى آخر مقارنة بالماضي أقلّ بكثير".
ويسترسل الحداد: "كانت المياه في المساجد قبل عدّة سنوات ملوثة بشكل كبير فيما يسمى بالمغاطس أو الأحواض, والتي كانت حينها تستخدم للوضوء والاستنشاق والغسيل لأكثر من شخص، وفي وقت واحد، الأمر الذي كان يُسبب انتقال الكثير من الجراثيم والفطريات والطفيليات، وخاصة منها الجلدية والمعوية مثل الإسكارس والتيفود والكوليرا وغيرها, وهي أمراض خطيرة وسريعة العدوى".
نمو بكتيري وفطري
ونظرا لصعوبة تحديد مكمن الخطر من عدمه في أحواض المياه التي يمر بداخلها المواطنون بعد إتمام الوضوء, أجرينا تحليلا (زراعة) بكتريولوجيا وفطريا وطفيليا, لمجموعة عيّنات من أربعة مساجد متفرِّقة بأمانة العاصمة، وتم إجراء التحاليل بالمختبر الوطني لمختبرات الصِّحة العامة المركزية بعد موافقة مدير عام المختبر الدكتور سعيد الشيباني، والذي نوجّه له ولكل العاملين في المختبر خالص الشكر والتقدير لتجاوبهم, وحول النتائج يقول الشيباني: "لُوحظ أن العيّنات ملوّثة، وفي بعضها نمو بكتيري منها بكتريا "شيجيلا", وبكتيريا "اشريشيا كولاي".
وأشار الشيباني إلى أنه وجد أيضا فطر "أسبرجلس" الذي ينتقل عبر الأشخاص من خلال هذه الأحواض ويسبب التهابات للأقدام خاصة بين الأصابع, وأنه ليس من السّهل علاج الشخص المُصاب به، حيث يحتاج ذلك فترة طويلة, لافتا إلى أن غالبية مستخدمي هذه الأماكن تنمو الفطريات على أقدامهم بوضوح.
نقل العدوى والأمراض
ويؤكد أستاذ الأحياء الدقيقة الطبّية والمناعة المشارك بكلية الطب - جامعة صنعاء، الدكتور خالد المؤيد، خطورة هذه المياه على الصِّحة بموجب ما أثبتته التحاليل الطبية، والتي أظهرت زيادة البكتريا القُولونية الكلية بأعداد كبيرة تفوق المسموح به دوليا، بحسب إرشادات منظّمة الصحة العالمية، والتي يجب ألاّ تزيد عن 10, والمسؤولة عن الأمراض المعوية (أمراض الجهاز المعوي) على رأسها الإسهالات والفئة الأكثر خطرا كبار السن ما فوق 60 عاما، والأطفال دون سن خمس سنوات.
وكالمثل البكتريا القولونية البرازية "اشريشيا كولاي" والتي يجب أن تكون صفرا بالنسبة لمياه الشّرب أو المياه المستخدمة للوضوء, منوها بأن هذا مؤشر لتلوث غائطي أو برازي، والتي قد تدعم وجود أنواع أخرى خطيرة تنتقل عبر المسلك نفسه.
في حين تتسبب بكتريا "شيجيلا" بإسهال مصاحب مع دم، ومعدٍ جدا, بينما الأحواض المستخدمة جماعيا بيئة خصبة لنقل العدوى والأمراض عبر الشرب أو الاستنشاق, أبرزها تتركز على أمراض الإسهالات, وأمراض تلعب في الماء دورا ثانويا كمرض البلهارسيا والملاريا والأمراض الجلدية الفطرية أو ذات منشأ فطري, ويجمع الأطباء ومختصون بأن هذه المياه "نجسة".
استخدام جماعي
من جانبه، أكد أحمد الجون, موظف في أحد مساجد مديرية شهارة بمحافظة عمران, ما تطرّق إليه الدكتور الحداد حول الوضع قديما, ويقول: "لا يزال الوضوء داخل برك المياه الموجودة في غالبية مساجد مديرية شهارة يتم بشكل جماعي، وفي وقت واحد إلى اليوم، لعدم توفّر مغاسل الوضوء وشحة المياه, والتي تُعاني منها المنطقة، وهو ما يعني استحالة إلغاء هذه البرك دون عمل حل جذري لأزمة المياه".
وزاد: "أصبحت هذه البرك السبب الرئيسي في انتقال مرض البلهارسيا بين المواطنين، حيث أصيب بها أكثر من 200 شخص من أبناء المنطقة، وطالبنا وزارة الصحة بتوفير الأدوية اللازمة لكن دون جدوى".
وبالرغم أننا لم نتمكّن من زيارة مديرية شهارة وفحص عيّنات منها لشحة الإمكانيات، إلا أننا وجدنا أن ذلك لا ينحصر على مديرية شهارة فقط، فالأمر ذاته ينطبق على محافظتي المحويت وحجة، بحسب مصادر مؤكدة, وكذا محافظة صنعاء خاصة في المناطق البعيدة عن مركز المحافظة, بحسب عدد من سكان تلك المناطق, في حين أُلغيت في المناطق القريبة من مركز المحافظة منذ فترة لا تتجاوز في بعضها ثلاث سنوات كما هو الحال في قرية "شفث" مديرية بني مطر، والتي تكفّل فيها أحد رجال الخير ببناء مسجد حديث مزوّد بالحمامات، ويقتصر دور الحوض في المرور عليه فقط, وذات الأمر ينطبق على منطقة مناخة وما جاورها -طريق صنعاء الحديدة- بحسب مواطنين خاصة المتنقلين بين صنعاء والحديدة, وكذا مناطق عديدة.
دور ارشادي
مدير إدارة المساجد الأثرية بوزارة الأوقاف والإرشاد أنور الحمادي قال: "وزارة الأوقاف تسعى جاهدة لإلغاء هذه الأحواض من خلال التوعية المكثّفة التي تقوم بها, وآخرها العام الماضي, للقائمين على المساجد وتعريفهم بخطورتها ومطالبتهم بإلغائها؛ كونها بيئة غير نظيفة, وأعتقد بأن الوزارة خاطبت كذلك مدراء مكاتب الوزارة في المحافظات بمذكّرات رسمية, لكن الموضوع يحتاج إلى وقت لتترسخ فكرة إلغائها خاصة في المساجد القديمة، أسوة بغيرها من المساجد، وهي الغالبية التي ألغتها".
لكن القائمين على المساجد ممن التقيناهم أكدوا عدم مخاطبة الوزارة لهم بذلك، وأنها لو فعلت ذلك وثبت علميا خطورتها فلن يتراجعوا عن إلغائها.
وأشار الحمادي إلى أن غالبية المساجد الجديدة لا توجد فيها هذه الأحواض, معترفا بتقصير دور مكاتب الوزارة في التوعية في حال صحّت أقوال بعض القائمين على المساجد بالأمانة, مطالبا بضرورة تعاون كافة الجهات لإلغاء هذه الأحواض والبرك والمغاطس إذا ما زالت.
والمتتبّع يلحظ أن غالبية المساجد في أمانة العاصمة بما فيها الجديدة لا زالت تتواجد فيها تلك الأحواض، وكذا في مختلف المحافظات (ذمار وريمة وتعز والحديدة وعمران وصنعاء وغيرها), وغياب واضح لدور الجهات المُختصة في التوعية في مختلف محافظات الجمهورية.
إلى ذلك يبلغ عدد المساجد بعموم مُحافظات الجمهورية 75 ألف مسجد, ويؤكد وزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار أن الأحواض الصغيرة التي يمر فيها المصلون توجد في بعض المساجد الصغيرة في صنعاء, مشيرا إلى أن وزارة الأوقاف تسعى جاهدة لردم تلك الأحواض واستبدالها بحنفيات يسيل ماؤها بدلا عن المياه الراكدة التي قد تكون سببا في العدوى وانتشار الأمراض من شخص إلى آخر.
توصيات وحلول..
ما ينبغي العمل به هو إجراء دراسة علمية شاملة وهو ما يؤكده الدكتور رجاء لمعرفة الخطر الحقيقي, ورش الأحواض التي يتم المرور بداخلها بمادة الكلور كجزء من حل المشكلة؛ كونه يقضي على أكثر أنواع البكتيريا والطفيليات, إلى جانب استبدالها بين الحين والآخر.
ويطالب عدد من المُختصين والمُهتمين بضرورة إصدار قرار وزاري من قبل وزارة الأوقاف والإرشاد يلغي هذه الأحواض والبرك أو أي حل آخر, وإيجاد حلول ناجعة للمناطق التي تُعاني من أزمة المياه كما هو الحال في مديرية شهارة بعمران.
وتوجيه القائمين على المساجد بغسل مواقع الوضوء بمادة "الكلوركس" باستمرار؛ كونها تشكل خُطورة على الصحّة، خاصة وأن كثيرين يدخلون الحمامات وهم حُفاة, ناهيك عن المواد الطُّحلبية السامة التي ينقلها بعض الأشخاص إلى هذه الأماكن ممّن يعملون في الإسمنت أو المجاري أو غيرهم.
(السياسية)تحقيق وتصوير ـ غمدان الدقيمي:
لنسأل أنفسنا: كم شخصا مر وسط هذا الحوض؟ كم عدد المصابين بأمراض خطيرة ومعدية منهم؟ هل هذه المياه نظيفة؟ وما مدى خطورتها بعد أن لمستها أقدام كثير من المواطنين أثناء دخولهم إلى المسجد؟
تخيّل الآن أحواض أو برك مياه في مساجد أخرى يتم الوضوء بداخلها بشكل جماعي وفي وقت واحد, فما مدى الخُطورة هنا؟
عزيزي القارئ يحدث هذا وذاك وبشكل منفصل في غالبية مساجدنا دون أدنى وعي منّا كمواطنين أو قائمين على المساجد -إلا ما ندر- ولا من الجهات المعنية التي لا زالت حتى اللحظة غير مُبالية باستثناء التوعية -حد قولها- ولم تتخذ قرارا يحجِّم الخطر.
يستبدل الماء مرّة باليوم
يجمع عدد من القائمين على المساجد في أمانة العاصمة بأن وجود هذه الأحواض ضرورة؛ لأن غالبية الأشخاص يخرجون من حمامات المساجد وأماكن الوضوء وأقدامهم غير نظيفة فتعمل على تنظيفها قبل دخولهم للمساجد, وأوضحوا أنهم يستبدلون الماء مرّة واحدة في اليوم معظم الأحيان, وقال أحدهم: "الماء أكثر من قلّة لا يحمل الخبث", وأكدوا أن مسألة إلغاء تلك الأحواض مقترنا بتوجيهات الجهات المختصة "وزارة الأوقاف" وغيرها من الجهات, في حال ثبت خُطورتها.
إلى ذلك ينتقد إمام أحد المساجد بالعاصمة -فضّل عدم ذكر اسمه- وجود تلك الأحواض، ويطالب بإلغائها, مشيرا إلى أنها ليست إلا تقليدا توارثه كثير من الناس عن أصحاب المذهب الزيدي الذي يُبالغ في الطهارة.
موضحا أنهم في مسجد (...) استحدثوا بابين للخروج من مكان الوضوء أحدهما فيه حوض مياه والآخر لا يوجد كحل وسط.
ملوث بكل أنواع البكتيريا
من جهته، أوضح أستاذ طب المجتمع في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة صنعاء ومستشار الصحة العامة والبحوث الصحية، الأستاذ الدكتور يحيى رجاء، أنه لا يمكن تحديد مخاطر أحواض المياه تلك (مغاسل الأرجل في المساجد) وما تحتويه من جراثيم من عدمها لعدم وجود دراسة علمية تناولتها.
لكنه يتوقّع وجود بكتيريا ضارة وفطريات (فنجس) , منوها بأن الماء الموجود هناك ملوث بكل أنواع البكتيريا, وأنها تسبب نوعين من المخاطر الحقيقية التي تصيب جلد الإنسان: أمراض بكتيرية وأمراضا فطرية.
انتقال الأمراض المُعدية
وأكد رجاء انتقال الأمراض المُعدية بين المواطنين وتأثير البكتيريا السلبي عليهم؛ نتيجة تلك المياه، خاصة إذا وُجدت جُروح في القدم، حيث تسبب البكتيريا في هذه الحالة مشاكل كثيرة منها -على سبيل المثال- إذا كانت من المُكوِّنات السبحية أو العنقودية, إصابة الشخص بالتهابات وتقيّحات وغيرها, أو يصاب بصنافير (خوارج) إذا لم يكن مجروحا.
وأكد رجاء أن جلد الإنسان هو خط الدفاع الأول, إلا أنه في حال وُجدت فطريات داخل تلك الأحواض فبالإمكان أن تصيب حتى الجلد السليم، حيث تتركز الفطريات بين أصابع الأرجل، وتسبب عدّة مشاكل للشخص.
لافتا إلى أن المشكلة تظل قائمة؛ كون الأقدام غير معقّمة، والتي يقول إن الأوساخ تأتي منها, "حتى عند ما يدخل الشخص حمامات المسجد فلا يُستبعد أن يخرج وهو حاملا تلوثا برازيا".
إسكارس وتيفود وكوليرا
وفي الوقت الذي يؤكد فيه أطباء كُثر خطورة هذه الأحواض، وكذا مواطنون ومهتمون, قللّ استشاري أمراض الباطنية والكبد أستاذ طب المجتمع بجامعة صنعاء، الأستاذ الدكتور أحمد الحداد، من ذلك, وقال: "حاليا بوجود شبكة الأنابيب التي تُستخدم للوضوء والتمضمض والاستنشاق على انفراد، بينما ينحصر دور الأحواض في المرور عليها فقط، بعد استكمال الوضوء, فقد أصبحت إمكانية انتقال العدوى من شخص إلى آخر مقارنة بالماضي أقلّ بكثير".
ويسترسل الحداد: "كانت المياه في المساجد قبل عدّة سنوات ملوثة بشكل كبير فيما يسمى بالمغاطس أو الأحواض, والتي كانت حينها تستخدم للوضوء والاستنشاق والغسيل لأكثر من شخص، وفي وقت واحد، الأمر الذي كان يُسبب انتقال الكثير من الجراثيم والفطريات والطفيليات، وخاصة منها الجلدية والمعوية مثل الإسكارس والتيفود والكوليرا وغيرها, وهي أمراض خطيرة وسريعة العدوى".
نمو بكتيري وفطري
ونظرا لصعوبة تحديد مكمن الخطر من عدمه في أحواض المياه التي يمر بداخلها المواطنون بعد إتمام الوضوء, أجرينا تحليلا (زراعة) بكتريولوجيا وفطريا وطفيليا, لمجموعة عيّنات من أربعة مساجد متفرِّقة بأمانة العاصمة، وتم إجراء التحاليل بالمختبر الوطني لمختبرات الصِّحة العامة المركزية بعد موافقة مدير عام المختبر الدكتور سعيد الشيباني، والذي نوجّه له ولكل العاملين في المختبر خالص الشكر والتقدير لتجاوبهم, وحول النتائج يقول الشيباني: "لُوحظ أن العيّنات ملوّثة، وفي بعضها نمو بكتيري منها بكتريا "شيجيلا", وبكتيريا "اشريشيا كولاي".
وأشار الشيباني إلى أنه وجد أيضا فطر "أسبرجلس" الذي ينتقل عبر الأشخاص من خلال هذه الأحواض ويسبب التهابات للأقدام خاصة بين الأصابع, وأنه ليس من السّهل علاج الشخص المُصاب به، حيث يحتاج ذلك فترة طويلة, لافتا إلى أن غالبية مستخدمي هذه الأماكن تنمو الفطريات على أقدامهم بوضوح.
نقل العدوى والأمراض
ويؤكد أستاذ الأحياء الدقيقة الطبّية والمناعة المشارك بكلية الطب - جامعة صنعاء، الدكتور خالد المؤيد، خطورة هذه المياه على الصِّحة بموجب ما أثبتته التحاليل الطبية، والتي أظهرت زيادة البكتريا القُولونية الكلية بأعداد كبيرة تفوق المسموح به دوليا، بحسب إرشادات منظّمة الصحة العالمية، والتي يجب ألاّ تزيد عن 10, والمسؤولة عن الأمراض المعوية (أمراض الجهاز المعوي) على رأسها الإسهالات والفئة الأكثر خطرا كبار السن ما فوق 60 عاما، والأطفال دون سن خمس سنوات.
وكالمثل البكتريا القولونية البرازية "اشريشيا كولاي" والتي يجب أن تكون صفرا بالنسبة لمياه الشّرب أو المياه المستخدمة للوضوء, منوها بأن هذا مؤشر لتلوث غائطي أو برازي، والتي قد تدعم وجود أنواع أخرى خطيرة تنتقل عبر المسلك نفسه.
في حين تتسبب بكتريا "شيجيلا" بإسهال مصاحب مع دم، ومعدٍ جدا, بينما الأحواض المستخدمة جماعيا بيئة خصبة لنقل العدوى والأمراض عبر الشرب أو الاستنشاق, أبرزها تتركز على أمراض الإسهالات, وأمراض تلعب في الماء دورا ثانويا كمرض البلهارسيا والملاريا والأمراض الجلدية الفطرية أو ذات منشأ فطري, ويجمع الأطباء ومختصون بأن هذه المياه "نجسة".
استخدام جماعي
من جانبه، أكد أحمد الجون, موظف في أحد مساجد مديرية شهارة بمحافظة عمران, ما تطرّق إليه الدكتور الحداد حول الوضع قديما, ويقول: "لا يزال الوضوء داخل برك المياه الموجودة في غالبية مساجد مديرية شهارة يتم بشكل جماعي، وفي وقت واحد إلى اليوم، لعدم توفّر مغاسل الوضوء وشحة المياه, والتي تُعاني منها المنطقة، وهو ما يعني استحالة إلغاء هذه البرك دون عمل حل جذري لأزمة المياه".
وزاد: "أصبحت هذه البرك السبب الرئيسي في انتقال مرض البلهارسيا بين المواطنين، حيث أصيب بها أكثر من 200 شخص من أبناء المنطقة، وطالبنا وزارة الصحة بتوفير الأدوية اللازمة لكن دون جدوى".
وبالرغم أننا لم نتمكّن من زيارة مديرية شهارة وفحص عيّنات منها لشحة الإمكانيات، إلا أننا وجدنا أن ذلك لا ينحصر على مديرية شهارة فقط، فالأمر ذاته ينطبق على محافظتي المحويت وحجة، بحسب مصادر مؤكدة, وكذا محافظة صنعاء خاصة في المناطق البعيدة عن مركز المحافظة, بحسب عدد من سكان تلك المناطق, في حين أُلغيت في المناطق القريبة من مركز المحافظة منذ فترة لا تتجاوز في بعضها ثلاث سنوات كما هو الحال في قرية "شفث" مديرية بني مطر، والتي تكفّل فيها أحد رجال الخير ببناء مسجد حديث مزوّد بالحمامات، ويقتصر دور الحوض في المرور عليه فقط, وذات الأمر ينطبق على منطقة مناخة وما جاورها -طريق صنعاء الحديدة- بحسب مواطنين خاصة المتنقلين بين صنعاء والحديدة, وكذا مناطق عديدة.
دور ارشادي
مدير إدارة المساجد الأثرية بوزارة الأوقاف والإرشاد أنور الحمادي قال: "وزارة الأوقاف تسعى جاهدة لإلغاء هذه الأحواض من خلال التوعية المكثّفة التي تقوم بها, وآخرها العام الماضي, للقائمين على المساجد وتعريفهم بخطورتها ومطالبتهم بإلغائها؛ كونها بيئة غير نظيفة, وأعتقد بأن الوزارة خاطبت كذلك مدراء مكاتب الوزارة في المحافظات بمذكّرات رسمية, لكن الموضوع يحتاج إلى وقت لتترسخ فكرة إلغائها خاصة في المساجد القديمة، أسوة بغيرها من المساجد، وهي الغالبية التي ألغتها".
لكن القائمين على المساجد ممن التقيناهم أكدوا عدم مخاطبة الوزارة لهم بذلك، وأنها لو فعلت ذلك وثبت علميا خطورتها فلن يتراجعوا عن إلغائها.
وأشار الحمادي إلى أن غالبية المساجد الجديدة لا توجد فيها هذه الأحواض, معترفا بتقصير دور مكاتب الوزارة في التوعية في حال صحّت أقوال بعض القائمين على المساجد بالأمانة, مطالبا بضرورة تعاون كافة الجهات لإلغاء هذه الأحواض والبرك والمغاطس إذا ما زالت.
والمتتبّع يلحظ أن غالبية المساجد في أمانة العاصمة بما فيها الجديدة لا زالت تتواجد فيها تلك الأحواض، وكذا في مختلف المحافظات (ذمار وريمة وتعز والحديدة وعمران وصنعاء وغيرها), وغياب واضح لدور الجهات المُختصة في التوعية في مختلف محافظات الجمهورية.
إلى ذلك يبلغ عدد المساجد بعموم مُحافظات الجمهورية 75 ألف مسجد, ويؤكد وزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار أن الأحواض الصغيرة التي يمر فيها المصلون توجد في بعض المساجد الصغيرة في صنعاء, مشيرا إلى أن وزارة الأوقاف تسعى جاهدة لردم تلك الأحواض واستبدالها بحنفيات يسيل ماؤها بدلا عن المياه الراكدة التي قد تكون سببا في العدوى وانتشار الأمراض من شخص إلى آخر.
توصيات وحلول..
ما ينبغي العمل به هو إجراء دراسة علمية شاملة وهو ما يؤكده الدكتور رجاء لمعرفة الخطر الحقيقي, ورش الأحواض التي يتم المرور بداخلها بمادة الكلور كجزء من حل المشكلة؛ كونه يقضي على أكثر أنواع البكتيريا والطفيليات, إلى جانب استبدالها بين الحين والآخر.
ويطالب عدد من المُختصين والمُهتمين بضرورة إصدار قرار وزاري من قبل وزارة الأوقاف والإرشاد يلغي هذه الأحواض والبرك أو أي حل آخر, وإيجاد حلول ناجعة للمناطق التي تُعاني من أزمة المياه كما هو الحال في مديرية شهارة بعمران.
وتوجيه القائمين على المساجد بغسل مواقع الوضوء بمادة "الكلوركس" باستمرار؛ كونها تشكل خُطورة على الصحّة، خاصة وأن كثيرين يدخلون الحمامات وهم حُفاة, ناهيك عن المواد الطُّحلبية السامة التي ينقلها بعض الأشخاص إلى هذه الأماكن ممّن يعملون في الإسمنت أو المجاري أو غيرهم.
(السياسية)تحقيق وتصوير ـ غمدان الدقيمي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق